أنا من يعيش بداخلكم، ستجدون بدايتي حاضركم، وأرجو حاضري مستقبلكم ، ولن تجدوا للعجب مكانا في قصتي، ﻷنك سترى نفسك بداخلي وتحسني إختلست حياتك ﻷروي قصتك أمام الملأ لجعلها تصل وجدانك لتوقظك من غفلتك الدامية ؛التي لطالما أذاقتنا كأس الذل والفقر الثقافي لنصبح مسخرة بين الشعوب التي تنام والكتاب ملقى على جبينها ، بينما نحن يكسوه الغبار من كل جانب في المكتبات واﻷسواق .
حظيت بتربية يتصبب عروقها دم المغاربية، فوالداي لم يهتما إلا بتأمين مأكلي و مشربي ومكان مرقدي وحسن هندامي، وهذا ما تطبعا عليه (والداي) من آبائهم . ومنذ أن ولجت سلك التعليم اﻹبتدائي وأنا أطمح بعالم جديد يسلي طفولتي، من سنة ﻷخرى، ﻷقتنع أني بالغت في فرحتي التي كانت تظهر على محيا ذلك الطفل البريء في رأس الشارع، الذي ثم قبوله بنجاح في الصف اﻷول، كما أدركت أن المدرسة ليست ذلك الحلم البسيط و الممتع ، وماهي إلا سباق للنجاح والتفوق، بدل البحث عن اﻹكتفاء الذاتي والدليل أن كل ما نلتهمه من مقررات دراسية نقوم بتفريغه على أوراق اﻹمتحانات ولا يعلق حرف واحد في أذهاننا .
إنقضت سنوات اﻹعدادي والثانوي في رمشة عين، وبدأ التسجيل بالجامعة ، المكان الذي بنيت فيه أحلاما من ورق سرعان ما احترقت بلهيب الحقيقة الخارق، كان حلمي أن أغدو محاميا، إقتنيت أطنان المراجع بحماس عارم، وعند تناولي ﻷول مرجع صعقت، صعقت من المستوى اللغوي العالي، صعقت من عقلي الفارغ . حينها أدركت أن سنواتي الدراسية أو باﻷحرى حياتي يثقلها النمط و الملل و الجهل .
مرت علي تلك الليلة عسيرة مظللة بكوابيس سوداء، وشيء بداخلي ينادي بالتغيير. تذكرت حشود الجامعة، آلاف الشباب والشابات عقولهم فارغة شغلتها الوسائل اﻹلكترونية، إذ تستخدم في العبث ومضيعة الوقت ليس إلا. وانشغلنا عن الثقافة والكتاب والفن الراقي، وغدت المعلومات محصورة في كبسة زر، حتى الجلسات الثقافية يترأسها المسنين والعجزة. إفتقدت البصمة الشبابية، ونحن من يقال عنا آمال البلاد ومنقذها الوحيد، هل سنترك هذه اﻵمال معلقة دون تحقيق !؟
تسللت أشعة الشمس للغرفة لتشعرني بأن يوم النور قد حل، إستحممت على عجل وقصدت أول حافلة لينتهي بي المطاف أمام مكتبة -نقطة البداية، حيث نولد من جديد - إستأجرت كمية مهمة من الكتب المتنوعة المجالات، ولمدة أسبوع ألتهم الكتب بنهم شديد وكلما إنتهيت من كتاب أحس بالفقر المعرفي أكثر و أكثر، أصبحت أرتاد دور الشباب التي عدتها العنكبوت ملجىء لها، درست المسرح والموسيقى، ملأت وقت فراغي باﻷعمال الثقافية، حتي هاتفي تلك اﻵلة الحادة إستغللتها في تحميل الكتب اﻹلكترونية .
أصبحت في حرب دامية مهمتي البحث عن "أناي" ولما قرأت أول كتاب أدركت أن "أناي " بين السطور ،ووعدت أن لا أجدها، ومع مرور اﻷيام بدأت أستوعب أن الحياة سياسة كئيبة ظالمة، وأننا مجرد دمى تحركنا اﻷيادي الضخمة كيفما حلى لها. يريدون الشباب أن يظلوا غافلين، بلداء، محنطين، قاطعين صلتنا بالثقافة وأعمال التثقيف، لكن كما إستيقظت أنا سيستيقظ الجميع لنعيد للحياة شبابيتها ونزيل ردائهم المزركش، ونعيد تلوين حياتنا بألوان شابة، مع سطور هادفة تبني مستقبلنا كلمة كلمة .
صوت التصفيق يعلو المكان، إبتسمت في وجه طلابي إبتسامة شكر، ممتنا لهم على سماعي، كما لم يسمعوا أستاذا جامعيا قبلي بهذا التركيز. ترجلت من المدرج ونفسي مطمئنة بأن آمال البلاد ستتحقق .
شيماء أيت احيا : طالبة في كلية اللغة العربية و صحفية متدربة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق